لو تأمل أحوال مخالفيهم والذين يناوئونهم لوجد العناد والكبر والاستخفاف.
فماذا قال فرعون؟
قال: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات:24]، ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) [القصص:38]!!
وماذا قال أبو جهل: لا نرجع حتى نرد ماء بدر فتعزف القيان ونضرب العود ويسمع العرب أننا أعزهم!!
وإذا قورن كلام النبي بكلام أعداء النبي يظهر الفرق جلياً بين ما يريد هذا ويدعو إليه، وبين ما يريده أُولَئِكَ ويدعون إليه، فهم يريدون العلو والفساد في الأرض، والاستكبار عَلَى خلق الله واستضعافهم، واستعبادهم.
وأما الأَنْبِيَاء فإنهم يريدون الإيمان والصلاح، والخير والفلاح، لهَؤُلاءِ البشر جميعاً في الدنيا والآخرة، ولهذا يتبعهم الضعفاء أول أمرهم، وهم الأشراف العقلاء، أما أصحاب المناصب، وأصحاب الشهوات، وأصحاب الكبر والعناد، فإنهم يعرضون عنهم.
فهذا الدليل -ما يأتي به الأَنْبِيَاء من الشرائع- هو نفسه من الأدلة القطعية عَلَى أنهم إنما يوحى إليهم، وإنما يتلقون ذلك من عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهذا أيضاً من ضمن الأدلة المعلومة بالتواتر وبالبراهين من واقع حال الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم.

وهنا ينتقل المُصنِّف رحمه الله تعالى إِلَى دليل آخر قوي جداً وهو الاستدلال عَلَى صدق الأَنْبِيَاء وعلى حقيقة دين الأَنْبِيَاء بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد كنا تحدثنا في أول الكتاب عن الاستدلال بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى وجوده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى إلاهيته وعلى توحيده.